Friday, August 11, 2017

اول خطبة خطَبها رسول الله صلَّى الله عَلَيْهِ وسلّم في المَدينَة المُنَورَة

قَدِم رَسولُ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُهاجِراً من مَكَّةَ حتَّى نَزَلَ بقُبَاء، على بني عَمْرٍو بنِ عَوفٍ يَومَ الاثنين 12 رَبيع الأوّل (24 سبتمبر 622) حينَ اشتّدَّ الضُّحَى. فأقامَ بقُبَاء إلى يَوم الخَميس (16 رَبيع الأوّل، 27 سبتمبر 622) وأسَّس مَسْجِدَهم. ثمَّ خَرَجَ يَومَ الجمعة (17 ربيع الأوّل- 28 سبتمبر 622) إلى المدينة؛ فأدْرَكَتْه الجُمُعَةُ في بني سالم بن عَوْف في بَطْنِ وادٍ لَهم قد اتَّخَذَ القَومُ في ذلك المَوضع مسجداً؛ فَجمَّع بهم وخَطَب. وهي أوّل خُطْبة خطبها بالمدينة، وقال فيها:


1- الحَمْدُ للهِ. أحْمَدُهُ وأسْتَعينُهُ، وأَسْتَغْفِرُهُ وَأَسْتَهْديهِ، وَأُومِنُ بِه وَلا أكفُرهُ، وأُعادِي مَنْ يَكفُر به.

2- وَأَشْهَدُ أنْ لا إلٰهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَه لا شَريكَ لَهُ. وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسولُه، أَرْسَلَهُ بالهُدَى ودِينِ الحَقِّ، والنُّورِ والمَوْعِظَةِ والحِكمَة عَلَى فَتْرةٍ مِنَ الرُّسل، وقلّةٍ مِنَ العَلْمِ، وضَلاَلَةٍ مِن النَّاسِ، وانقطاعٍ من الزَّمَانِ ودُنُوٍّ من السَّاعَةِ، وقُرْبٍ من الأجَلِ.

3- مَنْ يُطِعِ اللهَ ورَسولَه فَقَدْ رَشَدَ. ومَن يَعْصِ اللهَ ورَسولَه فَقَدْ غَوَى وفَرَّطَ وضَلَّ ضَلاَلاً بَعيداً.


4- أُوصِيكم بتَقْوى الله، فإنّهُ خَيرُ مَا أوصَى به المسلمُ المُسلمَ أنْ يَحُضَّهُ عَلَى الآخِرَةِ،وأنْ يَأمُرَه بِتَقْوى اللهِ.

5- واحْذَروا مَا حَذّرَكم الله من نَفْسِهِ؛ فإنَّ تَقوى اللهِ لِمَن عَمِلَ به عَلَى وَجَلٍ ومَخافةٍ مِن رَبِّهِ عَوْنُ صِدْقٍ عَلَى مَا تَبغُون من أمْرِ الآخِرَةِ.

6- ومَن يُصْلِح الذي بَيْنَهُ وبَيْنَ رَبِّهِ مِنْ أمْرِه في السِّر والعَلاَنِية، لا ينوِي به إلا وَجْهَ اللهِ يَكُنْ لَهُ ذِكْراً فِي عَاجِلِ أَمْرِهِ، وذُخْراً فيمَا بَعدَ المَوْتِ، حِينَ يَفْتَقِرُ المَرءُ إلى مَا قَدَّمَ. ومَا كَانَ مِمَّا سِوَى ذَلكَ يَوَدّ لَو أَنَّ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ أمَداً بَعيداً. “وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ” (آل عمران: 30).


7- هو الذي صَدق قولَه، وأنجز وَعْدَهُ، لا خُلْف لذلك؛ فَإنَّهُ يَقول تعالى: “مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ” (ق: 29). فاتقوا الله في عاجِل أمْرِكُم وآجِله في السِّرِّ والعَلانِيَة؛ فَإنَّه "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (الطلاق: 5). ومن يَتَّقِ الله فَقَد فازَ فَوْزاً عظيماً.

8- وإنّ تَقوى الله توقّي مَقْتَه وتُوَقِّي عقوبتَه وتُوَقِّى سَخَطه. وإنَّ تَقْوَى الله تُبَيّضُ الوجوهَ، وتُرْضِى الرَّبَّ، وتَرْفَعُ الدَّرَجَةَ. فخُذوا بحظّكم ولا تفرِّطوا في جَنْب الله، فقد علَّمكم كتابَه، ونَهَج لكم سبيلَه؛ ليعلم الذين صَدَقوا ويَعلمَ الكاذبينَ.

9- فَأحْسِنُوا كما أحْسَنَ اللهُ إليكم، وعَادوا أعْداءَه، وجَاهِدوا في الله حَقَّ جِهَادِهِ؛ هو اجْتَبَاكُم وسَمَّاكم المسلمينَ. لِيَهْلِك من هَلَك عن بيِّنة، ويَحيا من حَيِيَ عَن بَيِّنَةٍ. ولا حَولَ ولا قُوّةَ إلا بالله.


10- فَأكثروا ذكرَ الله تعالى، واعمَلوا لِما بَعدَ المَوتِ؛ فإنَّه مَن يُصلح ما بَينَه وبينَ الله يَكْفِه الله ما بَينَه وبينَ الناس. ذلكَ بِأنَّ اللهَ يَقضِي على النَّاس ولا يَقْضُون عليه، ويَملِك منَ النَّاسِ ولاَ يَمْلِكون منه. الله أكبرُ، ولا حَوْل ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم

المصادر:

ابن جرير الطبري،

القرطبي في تفسيره، الجامع لأحكام القرآن، ج. 18، ص. 65.

No comments:

Post a Comment